(...)
وألقيــتُهــاَ فيِ صفــحَةٍ بيضــاءْ، تلكَ الأمنيــةُ "الجميــلةُ"، وأطبقتُ عليهاَ بدفــَّتَيْ الدفــترِ الأخضرِ خاصَّتـي لأنَّ صوتــًا كصوتِ أمّي فاجأنــي بالمناداة طالبًا منّـي القدومَ إلى المطبـخِ لتقشيــر البطاطاَ من أجل وجبــة الغداء...
ذهبتُ مذعورةً ولا أدري ما سببُ ذلكَ الذعــر، وأخذتُ حبــاتِ البطاطاَ وقشرتــهاَ بيديْنِ ترتجفــانِ، ولم يمنعْ ذلكَ الإرتجــافُ حدَّ السكيــنِ من الغوصِ في لحــمِ إبهــامي وإحداث جُــرحٍ صرخــتُ منهُ بصــوتٍ كادَ أن يغــادرَ فمــي ولكنــهُ لمْ يفعــلْ ...
فقدْ كبــرتُ ولم يعُدْ جــرحٌ صغيــرٌ كهذاَ يُبيــحُ لـي البــُكــاءَ بسببــه
( هكذاَ علــّمونــي...!)
وكلــماَ بكيت (حتى وإن كانَ بكائي فقطْ دموعٌ وحزن) يذكّروننــي بأنَّ عُمــري الآنَ قد تجــاوزَ العشرين، وأنَّ أمــّي عندمــاَ كانتْ بمثــلِ عُمــري أنجبتنــي أنــاَ وإثنيــنِ آخرَيْـــن...!
تبــًّا...
وماذاَ يعنــي أننــي فوقَ العشريـــن، أو أنَّ أمــّي كانتْ قد أصبحتْ أُمًّـــا لثلاثــة أطفــال عندماَ كانتْ بمثــلِ عُمــري،
وماذاَ يعنــي -أصلاً- أننــي كبرت...؟
/
وألــفُ تبًّــا تلحقُ ببعضــهاَ في ذهنــي ...!
ماذاَ لو فقدتُ دفتــرَ مذكّراتــي، وبكيــتُ من أجلــه...؟
لاشكَّ أنهمْ سيقولونَ لــي بكلّ برود وسخريــة
"أتبكيــنَ علــى دفتــرٍ حقيــر؟.... لقد كبرتِ الآن ... أنظري إلى نفســك...!"
هـي الإجابــةُ ذاتهاَ تجترُّ حروفهــاَ كلَّ مرَّة...!
إذ كيفَ لأمي مثلاً أن تشعُــرَ بعظيــمِ حُزنــي في تلكَ اللحظــة،
كيفَ لهــاَ أن تُعطــيَ لذاكَ الدفــترِ قيمــةً تُســاوي قيمــةَ الدّمــوع والبكــاء؟
فهــي لمْ تكتُبْ في حياتــهاَ تفاصيلا تخصُّهــاَ في دفــتر رخيصِ الثمــن "ثميــنِ" القــدر...!
ولنْ تعرفَ كمْ مــرَّةً سيرتجـفُ فيهاَ القلبُ حيــنَ يُبــادرهُ بالشّكِّ أنَّ عيونــاً أخرىَ تطالــعُ مُذكّراتــهِ فـي سُخريــة...!
مُؤكــَّدٌ أنهــمْ سيضحكــونَ على أحلامــي وأسبــاب خوفــي، وما أحبـّهُ وما أكرهــهُ، والسبب الذي جعلــني أُقبّــلُ تلكَ الرسالةَ الحبيبــةَ ألفَ مرَّةٍ وأشتمُّ رائحتــهاَ طمعًا في قُربِ طيفٍ "مــا"...!
آآهٍ ما أبشعَ ذلكَ الموقــف...!
مؤكــّدٌ أنَّ أُختــي ستجعــلُ بكـائي تبريرًا لبكائــهاَ، وستقــولُ لأمي قبلَ أن تبادرهــاَ بالعقــاب:
"حتــّى الكبــارُ يبكــون...!"
/
وأفركُ عينيَّ وأتعوَّذُ من إبليــس،
فقدْ كانتْ مُجرّدَ وساوسَ لا أكثر ولا أقــلّ...!
ركضــتُ بإتجــاهِ الدُّرجِ وفتحتــُهُ بتوتّــر لأتفقــّدَ الدفــتر..
"إنهُ هُنــا... لا بأسَ عليــه...!"
/
فتحتــهُ من جديد وذهبتُ لآخرِ صفحــة حيثُ كتبتُ تلكَ الأمنيــة...
"ليتنــاَ مثلَ أسامينــاَ لا نتغيــرُ، مهماَ طالَ الزّمــن..."
تأملتـُهاَ كثيــرًا ..
وكأننـي أبحثُ فيــهاَ عن نفســي ... أو عن شيءٍ يشبهُنــي...
/
إنطلقتْ من صميمي آهــةٌ عظيمــة وأنا أتذكرُ أشخاصًا ظلَّتْ أساميهم كما هي أمّا هُم....
تغيــّروا...!
/
تذكرتُ تلكَ الصديقــةَ التي فضلتهاَ على بنــاتٍ كثيرات حلمنَ بصداقتــي....
تذكرتُ آخرَ إتصالٍ لهــاَ والذي كانَ بتاريخ 16-07
...
أينَ هيَ الآن...؟
/
هل نسيتني؟؟؟
/
كم أشعرُ بالوحــدةِ دونهــاَ
وكم أشعرُ بأنني قد أخطأتُ عندماَ أعطيتهاَ كل المساحاتِ بقلــبي
فقطْ لهــاَ .. وحدهــا...!
بقلمــي..!